المستشارة النفسية نادية الخيبر
مقدمة
التنمية البشرية أو التنمية الإنسانية هي عملية توسيع المدارك والخيارات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أمام الفرد عن
طريق تطوير مهاراته وقدراته لكي يحسن من انتاجيته.
ويتمثل الهدف الرئيسي للتنمية البشرية في جعل حياة الأفراد أفضل من خلال خلق فرص متنوعة تتناسب مع مهاراتهم التي
يعملون على تطويرها باستمرار طبقا لمبادئها الأساسية كالتغيير المستمر في التفكير وأسلوب الحياة و تقبل الاختالف بتقبل
الاخر ومقاومة الفشل والانحدار والتنبؤ بمتغيرات الحياة الفرد داخل المجتمع في جميع المجالات .
نعلم ان لكل انسان مواهب وقوى داخلية كالإبداع والتفكير والمنطق والذكاءات المتنوعة منها الذكاء الرياضياتي والعاطفي
والاجتماعي …وإذا عمل عليها الفرد وصقلها واخرجها ستتم الاستفادة منها لتحقيق النمو والتطور في كل مناحي الحياة
ولتحقيق الرفاه والوفرة وهذا ما تهدف اليه التنمية الذاتية بكال مبادئها.
المرحلة الدراسية من أكثر مراحل الحياة متعة و تنتهي بالنجاح وقد تتحول هذه المتعة الى رضى دائم حينما يرافقها عامل
التفوق، فالتفوق الدراسي يمنح الفرد الدخول الى معركة الحياة وقد اكتسب عامل الثقة بالذات مزود بقاموس من الكلمات
الملهمة للنجاح المستمر مثل انا أقدر.. انا أستطيع.. أنا استحق.. أنا الأفضل.. أنا مبدع.. أنا ممتاز… ومن أقوال د . إبراهيم فقي “الناجحون لا يتراجعون، والمتراجعون لا ينجحون.”
التعليم يحسن مستوى الأطفال ويوسع مداركهم وذلك بإكسابهم مهارات جديدة والسهر على تطويرها باسمرار لكي يتحسن
مستوى انتاجيتهم التي قد تصل الى حد التفوق والامتياز.
إذن ما هي الأقطاب المسؤ ولة عن التفوق الدراسي لذى التلميذ؟
وهل يمكن التنبؤ بالمهارات التي يمكن اكسابها له والتي تساعده على التفوق الدراسي؟
وكيف يمكن تطوير هذه المهارات؟
والى أي مدى يمكن الحفاظ على استمرارها؟
الموضوع
الأطفال يملكون طاقات كبيرة وقوى إدراكية وعقلية خفية تحتاج للعمل عليها، واستغلالها في اكسابهم مهارات جديدة
وتحويلها الى خبرات تساعدهم مدى حياتهم على التفوق والامتياز. فالمتفوقون لا يحصلون على التميز وهم جالسون ولا هم
ينتظرون التفوق ولا يعتقدون أنه فرصة حظ، وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص والاعتماد
على ما ينجزونه بأيديهم . إذن التفوق الدراسي والتميز نسبة قليلة منه يعتمد على الالهام والحلم والباقي جهد واجتهاد
وتخطيط من ثلاث اقطاب رئيسية تتكاثف جهودها لصناعة تلميذ متفوق دراسيا ومتميز كطالب ولامع في صعوده
الاجتماعي والثقافي كفرد فاعل في المجتمع، كما قال روبن شارمان “اعرف ما الذي تريده، وضوح الرؤية أمر قوي جدا،
الأهداف غير الواضحة تعطي نتائج باهتة ”
وهذه الأقطاب هي الأسرة والمدرسة والتلميذ .
I – الأسرة :
كل أسرة تتمنى النجاح لإبنائها، ليس النجاح فقط وإنما التفوق والمنافسة على المراكز الأولى في الأسلاك الدراسية
ولكي تصنع الأسرة شابا متفوقا و تراهن على تفوقه يجب عليها ان تضع برنامجا تربويا يجمع بين بناءه كشخص متوازن
وكفرد متفوق دراسيا. وهذا البرنامج يجب العمل عليه مند طفولته وذلك ب:
➢ الإيمان بمواهبه لأن الإيمان بمواهبه يؤدي الى نجاحه والتمسك بها يؤدي التفوق فيها.
➢ تنظيم وقته بين الدراسة وممارسة الأنشطة الموازية والتزام الجدية والحرص على التميز.
➢ غرس روح التحدي لديه وتشجيعه وتحفيزه المستمر رغم اخطائه.
➢ رسم صورة داخل عقله يراها باستمرار كانسان متفوق لأنها ستدعمه باستمرار كإنسان متفوق، فتعطيه الحماس الذاتي
الذي يوصله للتفوق الدراسي ثم الى الثقة بالنفس.
أحد المتفوقين دراسيا يدرس في مجال الطاقة يقول: ” مند أن وضعني ابي في المدرسة في اليوم الأول همس في أذني
قائلا “أحرص على ان تكون الأول بين زمالئك في كل شيء” ومند ذلك اليوم لم تفارقني تلك الجملة وظلت اسرتي
تشجعني وتحفزني حتى أصبحت معروفا بتفوقي بين زمالئي.
➢ صقل المهارات الموجودة لدى الطفل واكسابه مهارات جديدة تسهل عليه مشوار دراسته والتفوق فيها.
➢ تذليل العقبات امام الطفل وتوفير الجو الملائم للدراسة.
كانت لي تجربة مع اسرة واجهت صعوبات كثيرة في المراجعة مع طفلتهما التي تعاني عزوف عن الدراسة
وكانت في السلك الابتدائي وكان المطلوب مني كمرشدة اسرية تربوية هو تغيير نظرتها للدراسة بشكل عام، والمراجعة
(المذاكرة) بشكل خاص وزرع الحب والشغف بالدراسة وخلق مجال المتعة فيها ولما لا التفوق فيها.
اثناء جلسة الاستماع تبين ان الإبنة تعاني ضغط كبير من طرف والديها عليها. من خلالهم عرفت انها تعاند وترفض ان تنجز
واجباتها كما وأنها كثيرة الشرود اثناء المراجعة فتبين لي انها كانت تعاني ضغط وارهاق كبيرين أديا الى عزوفها عن
المراجعة وقد يؤدي مستقبلا الى كرهها للدراسة جملة وتفصيلا.
انصب اهتمامي أولا على الوالدين لتحسين طريقة التواصل مع ابنتهما وعدم اعتبارها كمشروع ناجع دراسيا وفاشل علائقيا.
ووضعت خطة ارشادية بنائية لذلك، كانت على فترتين؛ حاولت أولا تحسين العلاقة “الوالدين – الإبنة ” واعتمدت مبدأ التقبل
حيث يجب تقبلها كما هي أولا ورفض أسلوب المقارنة وتحسين علاقتها بهم خصوصا مع الأم التي كانت تقوم بدور المربية
والمعلمة في نفس الوقت مع ابنتها، وتطلب من ابنتها أكثر مما تستطيع وبنفس الأسلوب لأن تحسين هذه العلاقة سيعطي
للإبنة جو مريح داخل اسرتها يعينها على النجاح والتفوق كما يقول إبراهيم فقي” بيئة منزلية أو عائلية مريحة وصالحة
تؤسس لبيئة عمل ناجحة “.
اتفقت مع الوالدين على إعادة تغيير أسلوب التعامل مع ابنتهما والتعبير عن مشاعرهم ناحيتها بالإيجاب دون النظر الى
مستواها الدراسي أو اخطاءها وغيره ووضعت معهم برنامج للسير عليه في الفترة الأولى وكان كما يلي:
➢ تنويع العلاقة مع الإبنة :(أب – صديق / أنا وانت أطفال / انا معلم = قدوة – انت متعلم)
➢ التركيز على الخطأ وليس على شخصها.
➢ الإشباع العاطفي؛ يجب ان تعرف اننا نحبها بلا حدود ودون قيد أو شرط.
➢ تقديم الهدايا كتعبير عن الحب والاهتمام و غير مرتبطة بالنتائج الدراسية.
➢ مشاركتها في هوايتها في يوم عطلتها ودعمها ماديا ومعنويا.
كانت النتائج إيجابية الى حد ما حيث بدأت العلاقة بينهم تتحسن فمرونة الوالدين معها وتخفيف الضغط عنها واعتماد أسلوب
الاشباع العاطفي قرب الفجوة بينها قلل من حدة عنادها.
وفي الفترة الثانية طلبت من الوالدين عدم التركيز عليها وإعطائها فرصة للاسترخاء الذي سيعطيها المرونة في تعاملها مع
الدراسة وهذه المرونة سوف تمكنها من استدعاء الموارد الادراكية وشد الانتباه من جديد نحو الدراسة هذا الاسترخاء من
طرف الوالدين سيكون فرصة للطفلة ان تركز على دروسها، كان الهدف هو تغيير نظرتها للتعلم والدراسة وجعلها تلميذة
مبادرة تلقائيا في التعامل مع واجباتها دون ضغط من الوالدين وجعلها تحب الدراسة وتتفوق فيها.
فكان الاتفاق على النقط التالية:
➢ أن يسعيا لتوسيع مداركها نحو الدراسة بأنها سبب لتحقيق حلمها وهنا طلبت منهم ان يسألوها عن حلمها ويكتبوه في
بطاقة و تعلق امامها في مكان مراجعتها.
➢ أن غيرا مفهومهما للدراسة ويحولوا هذا المفهوم الى ابنتهما على انها وسيلة لتعلم مفاهيم جديدة لبناء الفكر والشخص
وليس من اجل العالمة الجيدة والعمل مستقبلا فقط.
➢ أن تنويع إيصال المعلومة لها عن طريق أفلام وثائقية، قصص مصورة وغيرها ويعملا على توسيع خيالها وتنمية
الابداع لديها وربط ما تدرسه بمحيطها عوض تلقينها دروس جامدة لا حيوية فيها.
➢ أن يتم اختيار وقت المراجعة على ان تختاره بنفسها مع التقليل من المشتتات اثناء المراجعة.
➢ أن يعتمد ا فترات الراحة المتكررة اثناء المراجعة.
➢ أن يستعملا نظام المكافئة على كل تقدم أو تحسن، لأن التعزيز الايجابي الذي يخلق التحدي المستمر ويجعلها تبقى
متحمسة للدراسة.
وفي الفترة الثانية كانت النتائج إيجابية وبدأت بوادر اهتمامها بدراستها وكان الوالدين جد مسرورين بهذا التغير والتحول في
سلوك ابنتهما وعلما ان بناء الأبناء يبدأ من الأباء وكل ما يصل اليه الابناء هو نتيجة ما يغرسه الاباء فيهم. وأصبحا يتطلعان
الى ان تكون متفوقة دراسيا مستقبلا.
اما فيما يخص لقائي مع الطفلة اعتمدت أسلوب التحفيز على المدى القصير يعني إذا اجتهدت وعملت مجهود لتحسين
مستواها الدراسي ستتغير نظرة معلماتها وزميالتها في المؤسسة ونظرة والديها اليها. وعلى المدى البعيد انها سوف تحقق
احالمها وذلك بوضع صورة للانجاز الذ ي ستحققه والى ما سوف تصل اليه وكيف ستحقق حلمها الصغير الذي سيكبر
بفضل تفوقها الدراسي.
نحن نعرف ان التحفيز يخلق المتعة والطموح للوصول الى الهدف ولا يتأتى ذلك الا بربط علاقات جيدة مع المحيط التي
توفر له استعادة الثقة بالذات وانه شخص مرغوب فيه ومحبوب في جميع الوضعيات .
II – المؤسسة التعليمية :
يقول أحد الباحثين في مجال التفوق الدراسي؛ أن التفوق الدراسي لا يدخل ضمن المهارات الشخصية فحسب ولا يتوقف
على مدى اهتمام الأسرة بالمستوى الدراسي لأبنائها ولا على مستوى تحصيلهم ولكن هناك مجموعة من العوامل التي تساهم
في التفوق الدراسي؛ أهمها أسلوب تقديم المناهج المدرسية للتلميذ وذلك بطريقة تشجع على تفوقه الدراسي ومسيرته
الدراسية مستقبلا وفي بحثه العلمي ومجاله العملي والتقني.
نحن نعلم انه من بين الأساليب التي تعوق كل تطور وتفوق دراسي انتهاج أسلوب جامد لا يتغير ولا يساير التقدم العلمي
والتكنولوجي فمثلا أسلوب التلقين الذي هو أحد أساليب التعليم الذي يعتمد قصرا على السرد من المعلم، والاستماع غير
ِّ الفعّال من التلاميذ للحصة التعليمية، وهو الذي يضع القرارات، والتقييمات والأنشطة والممارسات الصفية.
من نتائج التلقين : تهميش التلاميذ وتعليمهم بأسلوب سرد المعلومات وهذا يفقدهم الفرصة لتطبيق أجزاء الحصة التعليمية
تطبيقا أو اكسابهم مهارات شخصية جديدة وعدم تفاعلهم مع المعلومات الجديدة أو ضعف استيعابهم لها.
والبدائل الجيدة المطروحة كما يراها كل المهتمين بمناهج التعليم التي تصنع جيل مستقل وناضج فكريا وعلائقيا وناجح
ومتفوق دراسيا، وهي بدائل وأساليب تواكب تطورات ومتطلبات العصر منها :
➢ التعليم التعاوني: وهو أسلوب تعليمي يجمع بين التلاميذ ضمن مجموعات بإشراف المعلم، كل مجموعة يتشارك
افرادها باختالف مستوياتهم ومعارفهم في حل المسائل الصفية مما يزيد من إنتاجيتهم، ويضمن مشاركة جميع التالميذ ،
ويرفع من معدل التركيز لديهم. وهو ما يعرف أيضا بالتعلم النشط.
➢ المشاريع التعليمية: يزيد المعلم من مهارات طلابه من خلال تكليفهم بمشاريع لتطبيق ما درسوه لتقييم نتائج الدرس
وإلى أي حٍد استوفى التلاميذ جميع المتطلبات في المشروع، وإلى أي مدى استوعبوا المادة التعليمية .
➢ التعليم الإلكتروني: أحد أهم المراحل الانتقالية في مجال التعليم وهو التعليم الإلكتروني داخل الصف باستعمال
السبورة التفاعلية باستعمال الانترنيت وفسح المجال للتالميذ للإبحار والبحث عن المعلومة بأنفسهم بتأطير الأستاذ .
سنساهم في تغيير مفهوم استعمال الانترنيت ونحميهم من شر الإدمان على الألعاب أو المواقع اللاأخالقية
وقد بدا واضحا مع ازمة كوفد 19 أن التعليم عن بعد أتاح الفرصة لجميع التلاميذ إمكانية الدخول إلى حصصهم التعليمية متى
وأين شاءوا، وظهرت منصات التعليم الالكتروني التي تشجع على التعلم الذاتي والتعلم النشط.
ووجود المنصات التعليمية الإلكترونية قد حدّ من سلبيات التعلم بالتلقين، حيث يسمح استعمال الصوت والصورة في عملية
التعلم مما مكن التلاميذ من توظيف الخيال وتنمية الإبداع والابتكار، وقد ساعد هذا الامر على توفير الكثير من الجهد
والوقت ليفسح المجال للتلميذ الذي يسعى للتميز على التفوق في دراسته.
➢ البرامج والأنشطة التي ترافق العملية التعليمية التي تحفز عمل العقل خصوصا التي تعتمد على العصف الذهني
واستحضار كل الحواس وشد االنتباه والتركيز الكامل من التلميذ مثل : الحساب الدهني ، العاب الألغاز ، العاب المتاهات ،
لعبة الشطرنج وهي طرق ممتازة لتنمية الذكاء المنطقي والإستراتيجي لذى الاطفال ، وتُنمي قدراتهم الرياضياتية، وتزيد
من تركيزهم والانتباه ، كما تنمي قدرتهم على حل المشكلات والتخطيط وبُعد النظر ، وترفع من مستوى الذاكرة لديهم
وتعطيهم الفرصة لتعلم الصبر وعدم الاندفاع واستخدام المنطق قبل اتخاذ أي قرار خصوصا فيما يخص لعبة الشطرنج التي
تنمي للطفل قدراته التحليلية والتنبؤ بالحركة القادمة التي يقوم بها خصمه.
كل هذه الأنشطة والبرامج المرافقة للعملية التعليمية تكسب التلميذ الثقة بالنفس، و تقوي علاقاته من خلال ممارستها مع
مجموعات من أقرانه يتعلم من خلالها روح المنافسة وتقبل الهزيمة.
يكتسب التلميذ كل هذه المهارات بينما هو مستمع من جهة، ومن جهة ثانية تساعده على استخدام مدركاته استخداما جيدا
يسمح له بالتفوق والتميز.
اثناء دورة تدريبة صيفية لتكوين القادة الصغار مدتها 10 أيام ، كنت مسؤولة عن برامج الحساب الذهني CM alpha
لمجموعة من تلاميذ السلك الإعدادي كانت رائعة بحق لأنني تمكنت في هذه المدة القصيرة أن أكون فريق يمأله روح التحدي
والتباري في مجال لم يعرفوا عنه أي شيء من قبل. وثبت بالتجربة ان الأطفال يمكن ان يتفوقوا في أي مجال لمجرد ان
يعطى لهم التحفيز والدافع للتفوق.
الحساب الذهني من الأنشطة الذهنية التي تساعد على التفوق الدراسي حيث تعتمد على الفهم والتركيز والإنتباه وهذا يدخل
في تعديل السلوك، ويحتاج الى بناء روح التباري بغرس مبادئ أساسية كتجاوز الذات والعمل ضمن فريق وغيرها.
قبل بداية أي تدريب أو اكسابهم مهارات جديدة أقوم بالتوازي بغرس مبادئ لتنمية ذواتهم وخلق الإرادة القوية للتباري
والاستمرار مع مقاومة الفشل بتحدي الخصم. وقد عملت على عاملين اساسين في الحساب الذهني وهما الدقة والسرعة التي
يحتاجهما أي متباري عند الإنجاز، والمبادئ التي اعتمدتها ترتكز على هاذين العاملين كنقط ضعف ونقط قوة عند المتبارين
في الحساب الذهني، ومنها:
1 – الموارد التي لذي هي بمثابة نقط القوة بالنسبة لي احتفظ بها ونقط الضعف عندي أروضها وأحاول تغييرها.
2 – نقط الضعف عند خصمي هي نقط قوى لدي (خصمي لا يسرع انا أسرع / خصمي تنقصه الدقة انا امتلكها)
3 -وجود الدقة والسرعة لدى المتبارين يعطيهم العامل الإيجابي للتفوق وبالتالي يكسبهم الثقة بالذات، اذن الثقة بالذات تبنى
انطالقا من االستعراض أو المسابقة أو التباري.
4 – الاستعراض يعتمد على الانجاز المدرك والغير المدرك:
– المدرك الذي يكون في العلن اثناء التباري
– والغير المدرك يكون سرا وهو فترة الاستعداد للتباري.
5 – نكافئ في العلن على ما يتدربون عليه في السر حسب المثل الروماني القديم ” الجهد قبل المعركة يقلل الدم اثناء المعركة
” فالتدريب المستميت قبل التباري يخلق فرص جديد للفوز وتحقيق الهدف والمكافئة المعنوية هي اكساب الثقة بالنفس
والمكافئة المادية هي الهدية التي تكون كتحفيز للفائز على الاستمرار دون التراجع ومقاومة للفشل.
في هذه الدورة التجريبية اعتمدت سلم التفوق ومحوره الأداء الذي يرتكز على عاملي الدقة والسرعة ويجب فصل الأداء ما
بين الفردي وأداء الفريق فهناك من يكون ممتاز في اداءه الشخصي ولكن يكون قاصرا عندما يتعلق الأمر بالأداء داخل
الفريق، فكنت أحاول تنمية عطائه داخل المجموعة حيث أرسخ لديه مبدأ الاختلاف وتقبل الاخر وحاولت تعميم هذا المبدأ
داخل الفريق وأجعل منه فريق متكامل منهم من يجيد السرعة ومنهم من يجيد الدقة ويعملون في تكامل وبهذا خلقنا بيئة
مناسبة للتدريب وللنمو ولاكتساب المهارات الجديدة. وبهذا ضربت عصفورين بحجر واحد؛ كونت فريق للتباري بمفهوم
تنموي جديد ينبني على تقبل الاخر وربط علاقات جديدة فيها كثير من المرونة ونبذ المقرنة والاقصاء.
قد ادهشتني كثيرا نتائج هذه التجربة بتكوين فريق للتباري والتنافس ولكن داخل مجموعة تربط بنهم عالقات طيبة جزء منها
تنافسي وهدفهم هو تطوير مهاراتهم وقدراتهم.
كانت المدة قصيرة حاولت ان اعتمد فيها من جهة على رفع الفاعلية بالتحفيز على الطموح أي ان تحقيق الهدف صعب ولكنه
ممكن ونتائجه مبهرة ومن جهة ثانية على النجاعة التي تعتمد على وفرة في الانتاجية في ظل ضيق الوقت حيث رفعت سقف
الاداء بضبط العاملين معا وهما الدقة والسرعة حتى نصل الى التفوق التميز.
ولكي يستمر التوازن لدى المشاركين ركزت على عمليات محدودة واستعنت بذاكرة الصورة والخيال باستعمال نظام تكرار
العمليات و(سالسل متعددة في وقت ضيق) واكساب الفريق قوة وسرعة الملاحظة وبهذا حولنا تحديات عامل ضيق الوقت
الى نقط قوى.
ولاننا كنا نقوم بالمواكبة النفسية فقد لاحظ المدربون معي تغير في سلوك بعض المتدربين وأصبحوا أكثر تفاعالا وأكثر
فاعلية وأكثر انسجاما داخل المجموعة.
هذه التجربة مع الحساب الذهني الذي يمكن ان يكون من األنشطة الموازية للعملية التعليمية، لاحظنا كيف تكيف التلاميذ مع
تلك الوضعية الصعبة واستطاع اغلبهم التفوق والتميز فيها. وحسب قولة إبراهيم الفقي ” القيام بما لم يسبق لك القيام به
يوقض فيك مهارات جديدة لم تكن واعيا لها.
التفوق الدراسي لا يتوقف على المناهج الدراسية فحسب ولكن أيضا يساهم الاستاذ او المعلم في جعل التفوق الدراسي
هدف ومطمح اغلب التلاميذ إذا كان تعامله متوازن مع كل فئات القسم الدراسي ولا يقتصر تركيزه على التالميذ الاكثر
اجتهادا وبروزا فقط لان هذا الاسلوب في التعامل يؤدي الى اقصاء مجموعة من التلاميذ الذين قد يتغير مستواهم الدراسي إذا
منحهم الاستاذ فرصة تحويل بوصلة الاجتهاد لصالحهم وقد يصلوا الى درجة التفوق في حالة تمكنه من استيعاب الخلل
الموجود في مسيرتهم الدراسية وسا عدهم على تخطي تلك العقبات .
مند 3 سنوات قررت ان أخوض تجربة مع تلاميذ السلك الاعدادي في اطار قيامي بدروس الدعم في مادة الرياضيات ،
خلال هذه التجربة صنفت التلاميذ الى 3 مجموعات مختلفة حسب تمكنهم من مادة الرياضيات مستوى 9 اعدادي وعملت
على اكسابهم مهارات تمكنهم من التفوق في هذه المادة أو تخطي صعوباتها على أقل تقدير ثم أحول هذه المهارات الى
خبرات تبقى معهم خلال دراستهم لهذه المادة. قد أخدت على عاتقي ان أقوم بهذا التحدي من خلالهم لثلاث سنوات متتالية
اعتمدت فيها على مبدأ التنبؤ بأفاقهم حسب مستوياتهم الراهنة، ثم على مبدأ التغيير فكنت أنمي مدركاتهم وانقلهم الى
مستوى اعلى إذا لم أصل بهم الى مرتبة التفوق في المادة وكنت أد عمهم كثيرا حين لا يحصلون على علامة جيدة في مرحلة
من المراحل فأنمي فيهم روح مقاومة الفشل وأحثهم على الاستمرار في الاجتهاد .
بتطلعاتي هذه كنت قد اعتمدت بعض مبادئ التنمية البشرية لاصنع مجموعة من التلاميذ المتفوقين ثم إيصال اخرين الى
عتبة المتوسط.
في بداية كل سنة أصنف هؤلاء التلاميذ الى المجموعات الثلاث واعمل مع كل مجموعة حسب مستواها ومعرفتها بالمادة:
➢ المجموعة الاولى :يكون لهم ذكاء رياضياتي فطري يحتاجون فقط الى صقلهم وتحفيزهم واعطاءهم الاليات لكي
يصبحوا متميزين، فمن الحصص الاولى أقول لهم بان توجههم رياضياتي وأعمل على دعمهم على ذلك بإعطائهم سلاسل
من التمارين تعتمد على النوعية في التمارين وأشدد معهم في التصحيح ليكتسبوا الدقة وأحثهم على السرعة في الانجاز
حتى يستطيعون انجاز سلسلتين من التمارين مقابل سلسلة واحدة لباقي التلاميذ وكان هذا الدعم المادي والمعنوي يعطيهم
ثقة كبيرة في ذاتهم ويصرون على السير على نفس المنهاج ؛و اتتبع مسيرتهم في المرحلة الثانوية وكانت النتائج دائما
مرضية لدرجة تصل الى أكثر من 90 %من هؤلاء التلاميذ من يكمل في تخصص رياضيات فعال، واحس بان حدسي كان
في محله لاني كنت أرى فيهم مبادئ يمكن تنميتها وتطويرها حيث يكون مختلف عن الاخرين في طريقة تعامله مع المادة
مبادرا في اجاباته شديد الملاحظة والاستنباط جادا في تناوله للمعلومة يحب التحدي ؛ يتحدى نفسه في الانجاز. كان دوري
هو اكسا بهم مهارات تساعدهم في هذا التوجه ومع الجهد والمداومة تصبح لديهم خبرات في التعامل مع مادة الرياضيات في
مستواهم كالدقة والسرعة في الانجاز والبديهة والنظرة الثاقبة.
➢ المجموعة الثانية : مستواهم أقل من المتوسط و غالبا يكون لديهم رغبة في ان يصبحوا متمكنين من المادة ولكن تنقصهم
الشجاعة ، ورغبتهم في التغيير ضعيفة لديهم شك في قدراتهم وكفاءاتهم ، وهؤلاء العب على الجانب النفسي كثيرا والجانب
التحفيزي فأحاول إقناعهم ان بإمكانهم ان يتجاوز وا صعوبات المادة ويصلو الى مستوى أحسن ويمكن ان ينجحوا في
التخصص العلمي ولما لا التفوق فيه مستقبلا فأحاول اكسابهم مهارات في الانجاز مع تثبيت القواعد الاساسية للرياضيات
في مستواهم وأشجعهم ذا حصلوا على علامة أكثر من المتوسط وأحاول ان يستمروا في التحسن بتذكيرهم انهم يستطيعون
ان يصلوا الى المستوى المطلوب لتخصصهم. لا زلت التقي ببعضهم ويشيدون بمجهودي معهم في المادة وكيف ساعدتهم
على توجههم العلمي.
➢ المجموعة الثالثة: وهم التلاميذ الذين لا يحبون مادة الرياضيات ويعتبرونها عالم مجرد معقد لا يستسيغونها فاهتم أولا
بتقريبها منهم وتحبيبها لهم واننا نتعامل بالرياضيات في حياتنا اليومية وان الله سبحانه خلق الكون بميزان دقيق وبقواعد فزيائية
دقيقة تعتمد على الرياضيات واننا مأمورون من الله سبحانه بدراسة العلوم لنكون من اللذين يخشون الله على علم ويعبدونه
بإجلال و تعظيم لشانه وقدرته ، ثم اسعى لرفع ثقتهم بذواتهم لا نهم باستطاعتهم تغيير مستواهم وانتقالهم الى مستوى احسن
مادامت سنة الله في الكون هي التغيير وليس الثبات وانه ما يمكن للاخر فانه ممكن له ،وما يستطيع فعله الاخر تستطيع فعله
انت وهذا الحوار يكون مواكبا بالعمل على تبديد العقبات امامهم و تبسيط القواعد الرياضياتية، وتمثيلها بأشياء موجودة في
حياتهم اليومية حتى أقربها منهم. ولكي ينجزوا التمرين بسهولة فأحفز الجانب الايمن من الدماغ يعني استعين بالذاكرة
واستعمل السلاسل التي فيها تمارين مكررة وبسيطة لكي يكسب مهارات الانجاز بالتكرار والحفظ مثلا أقول إذا وجدت كذا
تجيب بكذا …وأشجعه إذا حصلوا على المعدل فقط. فهم لا يحبذون التوجه العلمي ولكن أكون قد قربتهم من المادة وحصولهم
على الاقل على المعدل فيها، لانها سترافقهم حتى وان كان توجههم أدبي بحث، وهؤلاء غالبا ما يتمتعون بذكاء الابتكار
والابداع والخيال والذاكرة القوية والذكاء العاطفي.
III – التلميذ :
التلميذ هو محور منظومة التفوق الدراسي وعليه تراهن كل من الاسرة والمدرسة في إنجاح هذا التحدي. ولكن لا يتأتى الا
من لا يملك طموحا ، فهذا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء ً يقول “كانت نفسي تواقة لابنة عمي فتزوجتها،
وتمنت الامارة فنلتها، وتمنيت الخلافة فنلتها، وأنا الان أتوق إلى
الجنة وأرجو أن أنالها .” فالتلميذ الطموح يثق دائما في قدرته على النجاح ويستمتع بدراسته.
بالنسبة لكثير من المهتمين بالتفوق الدراسي ومنهم أسماء الشرباتي التي أدرجت في كتابها مهارات التفوق الدراسي أهم
العوامل الذاتية للتفوق لدى التلميذ هي :
➢ أن يكون إيجابيا، يبرمج نفسه على انه ذكي مبدع دو ذاكرة قوية.
➢ ان يكون له حلم أو هدف يريد ان يصل اليه وهنا هو النجاح المكلل بالتفوق الدراسي.
➢ أن يقدم الاهم على المهم وهذا ما يخص طريقة تصنيف حسب الصعوبات التي تواجهه فيها.
➢ أن يغير نمط المذاكرة والعمل بطريقة ممنهجة ليعزز قدراته وليكتسب مهارات جديدة وأساليب متطورة في فهم
ومراجعة المواد . مثال بالنسبة لمن يجد صعوبة في الحفظ والتذكر يتبع طرق متطورة للسيطرة على هذه الصعوبات منها:
# يقرأ المعلومات بصوت مرتفع فيدخل حاسة السمع في عملية التذكر.
# استعمال طريقة الربط بين المعلومات .
# استعمال البطاقات التعليمية والجداول لتلخيص المعلومات
#الخرائط الذهنية المبسطة وهي عبارة عن خطاطات تلخص المعلومات الكثيرة بطريقة ذكية.
اما الاسباب الموضوعية التي تجعل من التلميذ متفوق دراسيا هي:
➢ خلق بيئة مناسبة له والتي توفر مجال ملائم لنمو معارفه والاستزادة منها وتوسيع مداركه والتعامل معه بأسلوب منفتح
غير متسلط لا داخل الاسرة ولا في المدرسة وإطلاق العنان له للابداع والابتكار والخيال وازاحة الضغط الذي يمارس
عليه بكثرة المواد وتشعبها ولا يبقى منها في الاخير الا النزر القليل كل شي يتبخر بعد الامتحان، لانه لا إبداع بدون حرية
حسب طارق سويدان.
في دورة الطفل القائد التي أشرت اليها سابقا كان من برامجها مبادئ واخلاق وكان التحدي لدينا أن نجعل الفقرة عملية
ونبتعد عن النمطية و عدم تقديمها بطريقة التلقين. كنت أقوم بتنشيط هذه الفقرة بالنسبة لفئة الصغار، كانت الفقرة تقدم يوميا
وهي عبارة عن تقديم فيديو لا يتعدى 10 دقائق يحتوي على المفهوم الذي أردنا ايصاله للصغار، بعد العرض اطلب منهم
الفكرة المحورية للفيديو فكانت أفكارهم تأتي تباعا ومتنوعة وحتى الاسلوب يجتهدون فيه بمجرد ان منحتهم الفرصة للتعبير
بحرية عما استنبطوه من المشاهد التي امامهم، كنت كل يوم اكتشف فيهم هذا الخيال الواسع و هذه الطاقة المتجددة على
العطاء رغم صغر سنهم.
كما يقول د. طارق سويدان: “لا ابداع بلا حرية ” فالتفوق الدراسي يحتاج الى اسرة تمنح طفلها مساحة من حرية التعبير
والمسؤولية الذاتية والمشاركة في القرار، والى مدرسة لا تتقيد بالمناهج المتحجرة الثابتة فسنة الله سبحانه في الكون التغيير ” كل
يوم هو في شان ” وتجعل التعليم تعلم وليس تدريس من أجل العلامات الجيدة فالتعلم يهدف الى تثقيف الطفل توسيع مداركه،
ولا تحشره في زاوية الاختبارات والعالمات الجيد ة بل تقيم التلميذ على الكم من المعلومات التي اكتسبها وليس على
المعلومات التي حفظها عن ظهر قلب .
فهذ ه المساحة من الحرية في اكتساب المهارات والمفاهيم الجديدة وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات الممنوحة من
الاسرة والمدرسة معا تجعل التلميذ مبادرا يسعى للوفرة في المعلومات والاستزادة منها يسعى لتنمية قدراته الفكرية
والادراكية، فتجربتي البسيطة مع أولئك الاطفال الذين يتسارعون ليشاركوا بآرائهم البسيطة ولكن الجيدة جعلتني اجزم انه
لو منحت الفرصة للتلميذ للابتكار و الخيال والابداع لكانت الدراسة ممتعة له بحق ولكانت مردوديته عالية وهنا فقط نتحدث
عن التميز وبطريقة تنموية تجعل من التنمية الذاتية أسلوب حياة من أجل التفوق الدراسي .”اذا عملت في ما تحسن ستنتج
ولكنك لن تبدع الا اذا عملت فيما تعشق ” د. طارق سويدان
الخاتمة
التفوق الدراسي والامتياز لا تتلخص في إنجازات وشواهد وانما هي قدرة الفرد على مقاومة الصعوبات والتحديات وان يستطلع ما
يريد ان يصل اليه ليضع برنامجا مناسبا لكل مرحلة وينجز ما هو مطلوب منه بالطريقة الصحيحة التي تشعره بالرضى عن نفسه وعن كل
ما وصل اليه وكل ما قدمه من انجاز للاخرين، والخبرات التي يحصدها في مسيرته نحو التفوق والتميز يكون قد نقلها للاخرين ونجاح الفرد
وتفوقه يبدأ داخل الاسرة ثم تأتي المدرسة لتواكب رعاية هذه الثمرة حتى تعطي أكلها ويأتي حصادها وهو فرد ناجح ومتميز داخل المجتمع.